الخميس، 15 ديسمبر 2022

تجربتي كمتدين مع اضطراب الاكتئاب والقلق



من نعم الله علي نشأتي في أسرة متدينة ومستقرة.


استغربت الأعراض "كيف أشعر بكل هذا الضيق والقلق، والله يقول: ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟!"

ظهر اكتئابي في شكل زهد في الدنيا، وعدم التداوي في شكل توكل على الله، وفسرت ضيقة صدري بقسوة القلب!

- زادت المعاناة بعدم التحسن مع الصلاة والأذكار التي يفترض أن تعالج الهم وقسوة القلب، ثم تطور الأمر للشعور بالقنوط من مغفرة الذنوب السابقة (وهو عرض من أعراض الاكتئاب والقلق).

أتألم حين أقرأ "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" حيث يستشهد بها بعض الوعاظ وهم يتحدثون عن سبب الضيق والغم.

- تغيرت نظرتي بفضل الله حين سمعت كلام الفقهاء الراسخين (وليس الوعاظ)، وجلست مع الأطباء.

أدركت أن الصالحين أيضا تصيبهم الأمراض النفسية ومنهم بعض الأئمة السابقين، فقد ابتلي بالوساوس الإمام ابن دقيق العيد والقاضي ابن يونس الموصلي والإمام المحدث الشهاب محمد بن خلف (موقع الألوكة).

- كان الإمام الفضيل بن عياض دائم الحزن الشديد، ولا يمكن أن يكون الحزن بحد ذاته عبادة يتقرب بها إلى الله.

عرفت شخصياً بعض الدعاة وطلبة العلم عانى من الاكتئاب الشديد حتى إنه لا يستطيع قراءة القرآن لعدة أشهر!

روى الإمام مالك في الموطأ قصة فقيه حزن بشدة (أعراض اكتئاب) بعد وفاة زوجته



- اقتنعت أن الاكتئاب والقلق مرض له عدة أسباب يذكرها الأطباء (وراثية، اضطراب النوم، نمط التفكير، صدمات طفولة..) وأسباب غير محسوسة لا يؤمن بها الطب الحديث لكنها حق (العين والسحر)، ومهما كان السبب فعندي أن الخطة العلاجية واحدة:

توجيه الطبيب والمعالج النفسي+ أدعو الله وأرقي نفسي+ أصبر وأرضى .


- فرحت جدا بكلام وجدته لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وكما أن أمراض الجسم ما إذا مات الإنسان منه كان شهيدا، كالمطعون والمبطون وصاحب ذات الجنب وكذلك الميت بغرق أو حرق أو هدم ; فمن أمراض النفس ما إذا اتقى العبد ربه فيه وصبر عليه حتى مات كان شهيدا.." الفتاوى ١٠ /١٣٨ - ١٣٩



- أدركت أن الزهد والتوكل الشرعي الصحيح يصاحبه انشراح في الصدر وطمأنينة حقيقية (ليست مفتعلة) ومراعاة لهدي السنة النبوية في النفقة على النفس والأهل، أما الزهد والتوكل الاكتئابي فيصاحبه ضيق صدر وحزن مستمر وتصرفات مالية واجتماعية ضارة بالنفس والأهل كالعزلة والمجازفة بإخراج المال.

- عرفت أن الاكتئاب والقلق يعالج بالأدوية الكيميائية، كما يعالج بالدعاء والرقية ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال عن طعام التلبينة : "تذهب ببعض الحزن" وقال: "لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذْنِ اللهِ عزَّ وجلَّ".

بعض الاضطرابات النفسية سببها خلل كيميائي.


- عرفت أني إذا سألت الله الشفاء أو رقيت نفسي بالأدعية النبوية بصدق؛ ضمنت إحدى ثلاثٍ :

- الشفاء العاجل، أو تأجيل الشفاء ويدفع الله عني شرورا بقدر ما أدعو (أدعو أكثر فتندفع عني وعن أحبابي شرور أكثر)، أو تأجيل الشفاء ويدخر الله دعواتي في الآخرة (أدعو أكثر فتعلو منزلتي أكثر) . 



- المتدين يعاني ضغوط الحياة التي يعانيها الآخرون، ويزيد عليهم بالضغط النفسي الناتج عن انتشار المنكرات، وهم الإصلاح وتربية الأولاد في هذا الزمن الصعب، وإذا كان مرهف المشاعر أو مثالي التفكير والأهداف تضاعفت همومه، وصار معرضا للاكتئاب والقلق كغيره من الناس.


- عرفت معنى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" كما فسرها عددٌ من الصحابة رضي الله عنهم بأنه الذي يعرض عن القرآن فلا يؤمن به ولا يتبعه، يعذب في القبر بالضنك وهو الضيق والعذاب إلى يوم القيامة (تفسير البغوي)

- عرفت معنى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب": المؤمن إذا ذكر الله أو قرأ القرآن اطمأن قلبه أن الله موجود واحد لا شريك له، وأن القرآن كلام الله ، وأن وعده حق، فيرجوه ويصبر على البلاء.

أما المشركون: "وإذا ذُكِر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ۖ وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون"


- الاكتئاب ليس قسوة قلب !!

علاج قسوة القلب الإكثار من الصلاة والذكر والقرآن، أما مريض الاكتئاب والقلق فيقال له كما قال الله للمرضى "فاقرأوا ما تيسر منه"، وإلزامه بالإكثار خطأ وله آثار عكسية لأنه يشق عليه خصوصاً إذا كان الاكتئاب والقلق من الدرجة المتوسطة والشديدة. 

إذا قرأ ما تيسر (لو ثلاث آيات فقط) وقت الضيق والتعب وفقه الله للإكثار وقت الانشراح والعافية.  ننصح المريض أن يبدأ باليسير الذي لا يشق عليه من الرقى والقرآن والأذكار ويحمد الله الذي وفقه لذكره مهما كان يسيراً ثم يزيد قدر استطاعته . وإذا كان الاكتئاب من الدرجة الخفيفة ووجد المريض راحةً مع القرآن والذكر فليغتنم هذه النعمة وليكثر كيف شاء .


صرت مع نوبات الاكتئاب الشديد أقرأ آية واحدة فقط أو ثلاث آيات من المصحف ، وأردد بعض الأذكار المنصوص على فضلها مرة واحدة إلى ثلاث مرات، وإذا كانت النوبة متوسطةً قرأت وجهاً أو ثمناً من المصحف ، وأردد الأذكار عشر مرات . ولما فرج الله عني وتحسنت حالتي كثيراً السنتين الماضيتين أتممت حفظ القرآن ، وصرت أردد الأذكار مئة مرة .


يخطئ بعض الناصحين وفقهم الله حين يقترح على مريض الاكتئاب والقلق والوساوس ذكراً معيناً بعدد كبير، ثم يؤكد له أنه سيشفى إذا التزم به بشرط أن يكون واثقاً بالله موقناً بأثر الرقية ، لأن في ذلك عدة إشكالات : الاكتئاب المرضي ليس قسوة قلب تعالج بكثرة الذكر ، والمرضى لا يقال لهم "أكثروا" لأن الإكثار مشقة ، بل يقال لهم "ما تيسر"، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد المرضى إلى عدة أدعية يرقون بها أنفسهم يكررونها إما ثلاث مرات أو سبع فقط ، ولم يأمرهم بتكرارها مئات أو آلاف المرات كما يطالب بعض الناصحين، وإذا تحامل مريض الاكتئاب على نفسه ونفذ وصية الناصح ثم لم ير الشفاء مباشرةً (لحكمة يريدها الله) رجع على نفسه باللوم والتهمة "أنا لم يشفني الله لأني لا أثق به وإيماني ضعيف، ولا أستحق أن يشفيني ولا أن يغفر لي.." ، وقد شعرت بهذه المشاعر عدة مرات بعد تنفيذي لمثل تلك النصائح! 

 - الحزن والهم والغم أنواع ، وليست كلها شيطانية كما يعتقد البعض ، فحزن يعقوب عليه السلام على يوسف ليس من الشيطان، ولا يجرؤ مؤمن على القول بأن يعقوب لم يكن قوي الإيمان كثير الذكر لله فاستمر حزنه الشديد وبكاؤه الذي أفقده بصره !! حاشاه عليه السلام ، بل الرسل عموماً هم أكمل الناس إيماناً وأكثرهم  معرفةً وثقةً بالله وذكراً له سبحانه، كان حزنه عليه السلام حزناً بشرياً بسبب الفقد ، وشفاه الله بريح يوسف وقميصه .

مرض الاكتئاب عبارة عن حزن وهم مستديم أسبابه متعددة كما ذكرنا .

الذنوب والمعاصي سببٌ للبلاء والضيق ، ومن رحمة الله بعبده المؤمن أن يبتليه بعد الذنب ليرجع إليه ، وليطهره من ذنبه ، فليس البلاء الذي يصيب المؤمن بعد الذنب علامةً على بغض الله لعبده .. لا .. هذا من وسوسة الشيطان ليوقعه في القنوط وترك العمل الصالح . المؤمن يعترف بذنبه ويسأل الله العفو والمغفرة والشفاء والهداية والثبات ، ثم يبذل الأسباب بالتداوي ويتفاءل بالخير ويحسن الظن بسعة رحمة الله ومغفرته . 


- اقتنعت أن الله سبحانه يكتب الشفاء من الاكتئاب والقلق بأسباب شرعية (دعوة من المريض أو غيره، رقية، صدقة) أو أسباب مادية (دواء كيميائي، جلسات نفسية، رياضة) أو بهما معا.

كلها أسباب مشروعة نحن مأمورون باتخاذها ، ولا يلزم تحقق الشفاء بها حتى الأسباب الشرعية ، بل الأمر إلى مراد الله وحكمته.



الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن

الحمد لله على نعمة العلم والعلماء

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تجربتي في حفظ القرآن الكريم

  الحمد لله رب العالمين سألني البعض كيف حفظت القرآن وكيف أراجعه ؟ بدأت في المرحلة الثانوية ضمن نشاط المدرسة فحفظت السور من الكهف إلى نهاية ا...