الخميس، 15 ديسمبر 2022

تجربتي مع شخصيتي الكمالية perfectionism


 بسم الله الرحمن الرحيم


 تجربتي مع الشخصية الكمالية (المثالية) perfectionism



لاحظت حملة غير موضوعية شوهت الشخصية الكمالية واعتبرتها مجرد معاناة تنتهي بالاحتراق والاكتئاب والقلق.


ضخموا السلبيات وخلطوا بينها وبين العصابية neuroticism وأغفلوا الإيجابيات وتجاهلوا الغالبية المستقرة من الكماليين


من الإيجابيات :


كثرة الإنجازات وجودتها مقارنة بغيرهم، العطاء، تطوير مهارات وأداء من يعمل معهم، التفوق كطالب والتفاني كموظف والنصح كصديق والمثال الإيجابي كرئيس، زوج/زوجة مهتم بشريكه وأب حريص وأم متفانية لتنشئة أطفال متميزين أدبا وصحة ومعيشة، يحفزون أنفسهم ذاتيا ويحفزون من حولهم . مصدر للإبداع والتطوير، وملجأ آمن عند الحاجة، أصحاب قيم ومبادئ يلتزمون بها وينشرونها ويتسامون على الماديات، مثقفون ويحسنون الكتابة والتحدث، أهل معروف ويقدرون صلة الرحم والإحسان، يحسبون العواقب ويرفضون المجازفات، يركزون على الأهداف ويدققون في التفاصيل فنرى بسببهم مشاريع متميزة .


من السلبيات

عدم قبول النتائج العادية ويطالبون أنفسهم ومن يرعونه بالتميز بشكل مرهق، ينتقدون أنفسهم بشدة عند الخطأ ويعتبرونه فشلا ويتضايقون من نقد الآخرين، يحملون أنفسهم أكثر مما يجب.


هذا لا يعني أنهم يعانون من العصابية (وهي خلل في رد الفعل النفسي بزيادة الغضب والقلق والخوف عن الطبيعي أو السلبية كالإحباط والعزلة وتضخيم الأخطاء والمخاطر، أو تقلب المزاج وعدم الاستقرار النفسي) وهي توجد في بعض الكماليين كما توجد في غيرهم.


وصف الكماليين بالتردد خطأ لأن صفتي التردد والحسم موجودة بالتساوي في كافة الأنماط الشخصية.


الجزء الأكبر من الكماليين مستقرون نفسيا


سلبيات الكمالية لا تصل لحد الاضطراب النفسي لدى الأغلبية، حالها حال سلبيات الأنماط الشخصية الأخرى.


الكمالية أحد عوامل الاكتئاب والقلق لكنها ليست العامل الرئيس أو الوحيد، وأكثر الكماليين لا يعانون هذين المرضين.


للأسف النصائح الموجههة للكماليين تقوم على "رفض" نمطهم وضرورة تغييره، وهذا خطأ لأنه لا يمكن تغيير نمط الإنسان ، وإنما الممكن تحسين تكيفه معه وتخفيف أثر سلبياته.


سبب اكتئابي الرئيس كان الاستعداد الوراثي واضطراب النوم المزمن . شخصيتي الكمالية أضافت المزيد من العبء بصعوبة تقبل المرض وتأخر استشارة الطبيب لكنها لم تكن السبب في أصل الاكتئاب.


العلاج السلوكي يستفيد منه بعض الكماليين لتخفيف آثار السلبيات وللتعامل مع مشاعر الاكتئاب والقلق لكنه لن يغير الشخصية!


ترديد "لا تكن كمالياً .. احذر المثالية..كن واقعيا..أنت بشر ولست ملاكا..طبيعي تخطئ وتفشل" سلاح ذو حدين لأنها تقول له: "طريقة تفكيرك خطأ وستقودك للفشل"، وبالتالي قد ينزعج منها وتضره لأنه "كمالي"، ولأنه كمالي فقد يفترض أن يتخلص من السلبيات بالكامل ، وعندما لا ينجح (وهو المتوقع) سيعتبره فشلاً وهكذا يدور في حلقة مفرغة !


ما الحل ؟

اطمئن عزيزي الكمالي:


- شخصيتك طبيعية ولا تحتاج علاج.

- تقبل كماليتك ولا ترفضها لأنك لا تستطيع تغييرها، وإيجابياتها كثيرة .

- مع تقدم العمر ستخف الكمالية (بعد الثلاثين أو الأربعين) وتخف مشاعر نقد الذات ، وهو أمر مثبت في الدراسات النفسية ومشاهد في الواقع ، ولاحظته في نفسي .

- شخصيتك كباقي ما أعطاك الله "اختبار" تشكر الله على الإيجابيات وتستعملها في الخير، وتصبر على السلبيات وتسأل الله الهداية والسداد

- استفد من العلاج السلوكي عند الحاجة لتخفيف الآثار وليس لتغيير نمطك .

- الاستبصار: إدراك التفكير الكمالي لحظة ظهوره ومداعبته بطرافة ؛ قل لنفسك "ها هي الأفكار الكمالية بدأت" عندما تلومها على خطأ، وكأنك تقول : أنا ألوم نفسي بشدة لأنني كمالي وليس لأن الخطأ يستحق كل هذا اللوم . وقل مبتسماً "أهلاً ! الكمالية شرفت" حينما تضع لنفسك هدفاً صعباً أو تقارنها بأشخاص مميزين جداً .  ارفق بنفسك وتلطف معها حين تلوم كماليتها .. "ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه".

- تشتيت الفكرة الكمالية المؤذية بدل الاسترسال معها، بالتركيز في عمل سهل مثل: اتصال بشخص مريح والتحدث في موضوع مختلف، لعبة مريحة مع طفل، كتابة تغريدة أو رسالة واتس بموضوع مختلف، رياضة خفيفة..

* تكرار الاستبصار والتشتيت مع كل فكرة كمالية يقلل آثارها السلبية مع الزمن وليس على الفور ، تحتاج صبر.

-  تحدث مع زملائك وأهلك عن أخطاء ارتكبتها في الماضي (تخبر نفسك بصوت عالي أنك بشر تخطئ، ولم تنته حياتك بتلك الأخطاء) ، كرر هذا الأمر بدون مبالغة ، وإنما إذا ناسبت الفرصة، واحفظ التعليقات التي تسمعها وتمنحك شعوراً إيجابياً لتستعملها مع نفسك مستقبلاً .

- ذكر نفسك بإيجابيات الكمالية كلما تضايقت منها.

- إذا ابتليت بالاكتئاب فإن من أعراضه استرجاع الأحداث المؤلمة والصفات السلبية لديك "ذاكرة سلبية"، وهذا قد يجعلك تشعر بأن كماليتك هي سبب الاكتئاب ، فتحاول التخلص من الكمالية لتتعافى من الاكتئاب فلا تستطيع. الأفضل لك أن تتعامل مع الاكتئاب كمرض مستقل أصابك وتتعالج عند الطبيب النفسي ، وتستفيد من العلاج المعرفي السلوكي لتصحيح مشاعرك السلبية وتخفيف آثار الكمالية.

- تأمل قوله سبحانه (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) وقوله ﷺ (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم) ، الله قسم لي الشخصية الكمالية اختبارا ، فلا أنسب التميز لقوتي ، بل أحمد الله أن سخرني لخدمة خلقه ، وأصبر على السلبيات ، وأتعلم من المعالجين السلوكيين كيفية تخفيف آثارها.

- استفد من قصص أكمل البشر عليهم الصلاة والسلام في القرآن الكريم ، حيث تعلموا من الخطأ والضعف والعتاب ثم مضوا قدما وبلغوا الرسالة : أبونا آدم الذي أذنب ثم تاب فاجتباه الله واصطفاه، وموسى الذي قتل نفسا، ويونس الذي ذهب عن قومه دون أن يستأذن ربه، وداود وسليمان..ثم إمامهم محمد ﷺ الذي عاتبه ربه في عدة مواضع .


وفقني الله وإياك

وصلى الله على نبينا محمد وآله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تجربتي في حفظ القرآن الكريم

  الحمد لله رب العالمين سألني البعض كيف حفظت القرآن وكيف أراجعه ؟ بدأت في المرحلة الثانوية ضمن نشاط المدرسة فحفظت السور من الكهف إلى نهاية ا...