الخميس، 12 يناير 2023

تجربتي في حفظ القرآن الكريم

 

الحمد لله رب العالمين

سألني البعض كيف حفظت القرآن وكيف أراجعه ؟

بدأت في المرحلة الثانوية ضمن نشاط المدرسة فحفظت السور من الكهف إلى نهاية النور، وأراجع حفظي على فترات متقطعة خصوصاً في المواسم كرمضان.

في المرحلة الجامعية قوي لدي هاجس حفظ القرآن كاملاً فحفظت السبع الطوال على يد أحد معلمي القرآن ، وكان البرنامج متقطعاً بسبب الانشغال والكسل والملل ، لكن هاجس الحفظ متوقد لم ينطفئ .

بعد التخرج حفظت المفصل (من ق إلى الناس) ، وصرت أراجع الحفظ في المواسم غالباً وفي بعض فترات النشاط ، لكني لم أزد على المفصل والسبع الطوال إلا أن هاجس الحفظ حي باقي .

عندما ابتليت بالاكتئاب والقلق ضعفت ذاكرتي وقدرتي على التركيز، وصار القرآن ثقيلاً على نفسيتي فلا أكاد أقرأ إلا القليل ، لكني أراجع حفظي فترات التحسن والنشاط خصوصاً في رمضان . بقيت على هذه الحال أكثر من خمسة عشر عاماً وحفظ القرآن أمنية حية أتمناها وأدعو الله أن يمن علي بها .

تجاوزت الخمسين من عمري ، وشعرت أن الحفظ مستحيل مع المعاناة التي أعيشها ، فاتخذت قراراً بعدم الحفظ والاكتفاء بالقراءة والتدبر ، إلا أن هاجس الحفظ لم يستسلم لذلك القرار وبقي يراودني ويضغط علي فاستأنفت الحفظ قبل أربعة أعوام على يد أحد المعلمين جزاه الله عني خيراً .

اخترت ذلك المعلم لما يتميز به من دماثة الخلق والمرونة وعدم التقيد بمقدار محدد ، بل يراعي ظروف الطالب ويشجعه في نهاية الجلسة بدعوات مباركة وكلمات إيجابية مهما كان أداؤه .

ابتدأت بمراجعة السبع الطوال ؛ أحياناً ثمن وأحياناً ثمنان وأحياناً حزب كامل في الجلسة الواحدة ثلاثة أيام في الأسبوع ، ثم بدأت حفظ سورة يونس بمقدار نصف وجه أو وجه تقريباً في الجلسة حتى وصلت سورة النحل فوجدت صعوبة شديدة في حفظها ، كما وجدت صعوبة في مراجعة الحفظ الجديد والقديم ، وتزامن مع ذلك نوبات شديدة من الاكتئاب والقلق فرجع لي الشعور باستحالة الحفظ فكنت أحتضن المصحف وأنا أبكي ، وأكتفي بالقراءة والتدبر فترات النشاط وتحسن الأعراض .

قبل عامين منَ الله علي بتحسن الحال والأعراض فرجع هاجس الحفظ من جديد واتصلت بالمعلم ذاته ففرح جداً برجوعي ، وبدأت بسورة يونس من جديد حتى وصلت سورة النحل فعانيت من نفس الصعوبة ، وصرت أحفظ كل يوم ثلاثة أسطر فقط حتى أكملت خمسة أوجه تقريباً ثم عجزت عن المزيد ، ولا يكاد الذي حفظته يستقر في ذهني ، فأراجعه وكأني لم أحفظه !

قررت السفر إلى المدينة المنورة للالتحاق بحلق الحرم الشريف ، فسافرت لكن حلقات الحرم لم تستأنف بشكلها المعتاد بسبب ظروف جائحة كورونا ، فبقيت أربعة أيام مجاوراً بالحرم الشريف وحصل لي من البركة ما لم أحتسب ، فقد سهل الله علي إكمال سورة النحل بل وحفظ سورة الإسراء معها !

رجعت إلى الرياض مغتبطاً بهذا الفرج وواصلت الحفظ حتى وصلت سورة الروم فطرأ على حفظي مثل ما طرأ في سورة النحل ، فاستشرت أحد الحفاظ فنصحني بتغيير الحفظ وتجاوز سورة الروم ، فانتقلت إلى سورة الحجرات فحفظتها وواصلت الصعود ..الفتح ثم محمد .. وهكذا حتى وصلت الروم من جديد لتكون هي الأخيرة قبل إنجاز أمنية حياتي فسهل الله علي حفظها .

 قبل عامٍ تقريباً كانت من أجمل اللحظات في حياتي حين حفظت آخر آية وخررت لله ساجداً شاكراً ، وبدأت مشوار المراجعة والإتقان .

لا ألتزم بمقدار معين من المراجعة لكني أحرص على الجلوس في المسجد بعد الفجر وأراجع ما تيسر من ثمن إلى جزء حسب النشاط وحسب قوة الحفظ السابق  ، كما أحرص على التبكير للصلوات الأخرى واستغلال الوقت قبل الإقامة ، وعندما أصابني الملل انتقلت للصلاة في مسجد آخر قريب من بيتي فتجدد النشاط بسبب تغيير المكان والبيئة ، وما زلت مستمراً على المراجعة سائلاً الله التوفيق والسداد والقبول .


خلاصة نصيحتي لمن يريد الحفظ ولديه معاناة مرضية أو نفسية أو كثرة أشغال :

_ لا تتنازل عن هدف الحفظ .. ستحفظ ولو بعد حين مهما كبرت سنك .

_ اتخذ معلماً مرناً يراعي حالك ويساندك .

_ اختر أسلوب ومقدار الحفظ والمراجعة الذي يناسبك، ولا تتقيد بنصيحة الآخرين إذا جربتها ولم تنجح معك .

_ بكر إلى الصلوات الخمس واستغل الوقت قبل الإقامة بالحفظ والمراجعة ، وهو وقتٌ كافٍ بإذن الله لإتمام الحفظ والمراجعة خلال بضع سنوات .

_ سافر عدة أيام إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة وأكثر الجلوس في الحرم الشريف كلما سنحت لك فرصة وشعرت بالملل .

_ غير المسجد إذا شعرت بالسآمة والملل ، وصل في مسجد آخر قريب منك لفترة حتى يتجدد نشاطك ثم ارجع لمسجدك .

_ البعض يهتم بالحفظ ، ويراجع مراجعة غير متقنة ، وإذا انتهى من حفظ القرآن كاملاً بدأ برنامج المراجعة والإتقان ، والبعض يهتم بمراجعة وإتقان كل ما يحفظ قبل أن ينتقل إلى حفظ جديد بحيث ينتهي من كامل الحفظ وهو متقن . كلا الأسلوبين صحيح فاختر ما يلائمك .

_ البعض يستفيد كثيراً إذا ارتبط مع شخص آخر يحفظان سوياً ، والبعض ينطلق بشكل أفضل إذا حفظ بمفرده ، اختر ما يناسبك ؛ المهم أن تحفظ على يد معلم قرآن .

_ أكثر الدعاء أن يجمع الله القرآن في صدرك ويجعلك من أهله ويرزقك تلاوته آناء الليل والنهار على الوجه الذي يرضيه .


اللهم وفقنا لما يرضيك واجعلنا من أهل القرآن ، أهلك وخاصتك .

    

تجربتي في حفظ القرآن الكريم

  الحمد لله رب العالمين سألني البعض كيف حفظت القرآن وكيف أراجعه ؟ بدأت في المرحلة الثانوية ضمن نشاط المدرسة فحفظت السور من الكهف إلى نهاية ا...