الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

قصتي باختصار مع الاكتئاب والقلق والوساوس

بسم الله الرحمن الرحيم



متزوج وحاصل على الدكتوراه في تخصصي، ودخلي جيد ولله الحمد ،أشارك في العمل الخيري والأنشطة الأسرية ،أتحدث الإنجليزية وأقرأ في الأدب والثقافة الإسلامية..

كان كل شيء على ما يرام حتى بدأت أشعر بضيق الصدر وتكدر الخاطر دون سبب واضح.

قلت : لعلها هموم العمل والحياة مع الغفلة عن كثرة الذكر والوقوع في بعض الذنوب..

اشتدت الضيقة وصارت تغطي أكثر اليوم وقل شعوري بالإنجاز والسعادة، واضطرب نومي وكثرت الأحلام المزعجة.

رأيت حلما مزعجا ففسرته لنفسي أن أجلي قريب وقمت بتصفية حساباتي وتهيئة حالي للرحيل للآخرة .


شعرت بغربة شديدة بين الناس وفقدت كل مشاعر الأنس والسعادة والطموح والتفاؤل.

تسألني زوجتي عن الخطب فأعطيها إجابات عامة ولم أصرح لها بالمعاناة.

صرت أقلق كثيرا على مستقبل أولادي ومن سيرعاهم بعدي؟


ثم عرفت أني أعاني من اضطراب الاكتئاب والقلق، وأن تفسير رؤياي مجرد خسارة مالية محدودة.


وصف لي الطبيب دواء (سيروكسات) وأخبرني أن التحسن يحتاج أسبوعين ليظهر وسأعاني من بعض الأعراض الجانبية المؤقتة : نرفزة، صداع ، ثقل نوم.. لم أتحسن بعد شهر كامل، وعانيت من الأعراض الجانبية طول الفترة.


اشتدت الضيقة أكثر وصرت لا أتحمل البقاء في مكان العمل فأخرج منتصف الدوام رغما عني.


أمسح صدري بالماء البارد من شدة ما أشعر به.


فهمت لماذا ينتحر البعض مع شدة الاكتئاب، فالضيقة شديدة جداً والأمل مفقود تماماً ، ولا يوجد أي رغبة في الحياة وملذاتها، لكني بفضل الله لم أفكر في الانتحار ولم يخطر على بالي البتة لإيماني بالقضاء والقدر، ورجائي أن يكون كفارةً ورفعةً.

شرح لي الاستشاري درجة الاكتئاب الشديد وما يصاحبها من خواطر الموت وهنأني على تماسكي ووصف لي (سيبرالكس) وأعطاني إجازة لمدة شهر، أيضاً لم أشعر بتحسن البتة مدة الشهر وتأذيت من الأعراض الجانبية.


أخبرت زوجتي جزاها الله خيراً بحقيقة الأمر، فقامت بدعمي ومواساتي، وعرض علي بعض معارفي الرقية فشعرت ببعض التحسن.


رجعت للدوام واستمرت المعاناة بعد تحسن مؤقت مع الرقية، ثم وصف لي الاستشاري دوائين (ريميرون + إفيكسور) مع نصائح حول نمطي "المثالي" وطريقة تفكيري وتعديلات على النوم والأكل والرياضة.

تحسنت بشكل واضح وعادت لي مشاعر البهجة والاستمتاع بالعمل والعائلة وشعرت بالأمل بدل القلق حول المستقبل.


بعد شهرين انتكست أعراض الاكتئاب (وأنا ملتزم بالدواء) فنصحني الاستشاري بعدة تقنيات للتكيف مع الأعراض ، وأخبرني أن وضعي حساس لوجود تاريخ عائلي باضطراب ثنائي القطب ، فيخشى من زيادة الأدوية أن يتحول الاكتئاب إلى ثنائي القطب.


كان احتمال "العين" وارداً في ذهن من حولي ، وعرض علي بعض أقاربي الصالحين رقيةً مطولة فرقاني أحدهم أربعين يوماً متتالية ، ثم رقاني آخر ثلاثة أسابيع ، والأعراض بنفس المستوى ، ولله في ذلك حكمة ، وإذا رأيت شخصاً في منامي أخذت من أثر طعامه (خصوصاً نوى التمر) دون علمه حتى لا أثير الشكوك والضغائن ، وكررت ذلك عدة مرات ، ولم يتغير الحال .
 

قرأت كثيرا باللغتين العربية والإنجليزية عن الاكتئاب والقلق، وواصلت العمل وبعض الأنشطة لأن الانقطاع ضار ويسبب الإحباط ويزيد الاكتئاب.


 بدأت أشعر بالاضطراب عند أداء المهام الحساسة في العمل : رعشة_صداع ودوخة_ضعف عضلي وصعوبة حركة_تنميل في الشفتين واللسان والأطراف_نشوفة حلق، عرفت أنها أعراض جسمية للقلق ثم تكررت حتى مع المهام المعتادة فتضطرني للخروج من العمل بسبب الإنهاك، أذهب للمنزل فأستلقي ساعتين أو ثلاث حتى تهدأ ثم أعود للعمل.


وصف لي الاستشاري دواء(فالدوكسان) الذي توفر حديثا وقتها وتحسنت أعراض الاكتئاب بشكل ممتاز، لكن لم يتحسن القلق والأعراض الجسمية فأحالني للعلاج السلوكي.

أشعر بالارتياح أثناء جلسات العلاج المعرفي والسلوكي وخلال اليوم الذي تكون فيه الجلسة لكن الأعراض لم تتحسن مع تطبيقي للتمارين والتقنيات المطلوبة فأضاف لي المعالج حبوب (اندرال) ولم تنفع.

ثم انتكست أعراض الاكتئاب مع استمراري على (فالدوكسان).

اكتئابي صار مزمناً ، ويسمونه دايسثيميا ( dysthymia ) ، حالة من الاكتئاب المتوسط الشدة لكنه طويل الأجل ، يتخلله فترات من التحسن والنشاط ، وفترات من الانتكاسات الشديدة . الانتكاسات الشديدة تتكرر بكثرة بسبب أعراض القلق وعجزي عن إنجاز الكثير مما كنت أنجزه قبل المرض . 


تأثرت جودة وظيفتي وعجزت فعليا عن العمل ، بدأت بالتفكير في التقاعد ، ليس هروبا وإنما للعجز ووضوح الاضطراب والأخطاء في العمل، ورجاء أن تتحسن الأعراض إذا ابتعدت عن ضغط العمل.

تعاونت معي إدارة العمل جزاهم الله خيرا ففرغوني لمهام سهلة جدا ولا تتأثر بغيابي حتى أتم الخدمة وأستحق التقاعد. ولعل الله يحدث أمرا. تمت المدة والأعراض كما هي فتقاعدت .

سألت فقيها عن حكم راتبي وتقصيري في العمل فطمأنني أني معذور.


أنا أحفظ سورة البقرة فصرت أقرأها يوميا لكثرة من ينصح بذلك وأنفث بها على صدري.

تحسنت الأعراض بشكل واضح شهرين ثم انتكست مع أني مواصل على القراءة، وصرت أشعر بصعوبة عند قراءتها فتوقفت ورجعت إلى قراءة القرآن عموما كالمعتاد.


بعد التقاعد قل دخلي لكنه يكفيني وأسرتي، وأشغلت نفسي بالبرامج العلمية الشرعية وزيادة حفظ القرآن الكريم مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء ورعاية الأسرة.

لكن مع الغلاء ارتبك وضعي المادي وزاد الضغط النفسي، وتوتر تعاملي مع أسرتي بسبب المصروفات وبحثت عن عمل إضافي فساعدني ذلك جزئيا.


 استمرت أعراض الاكتئاب والقلق وأنا أحاول التكيف معها بدون أدوية ، أعزي نفسي كلما اشتدت الأعراض بقوله سبحانه "سيجعل الله بعد عسر يسرا" وعندما يخطر ببالي متى؟ أجيب نفسي بقوله سبحانه "لكل أجل كتاب".


ذات يوم (بين المغرب والعشاء) أحسست باضطراب في جوفي  ومشاعر غريبة  لم أشعر بها من قبل، خرجت لصلاة العشاء وفي الطريق أصابني خفقان شديد وكتمة نفس ودوخة وشعرت أنني أموت فعلياً ! واصلت السير إلى المسجد لعل وفاتي تكون فيه بدلا من الشارع، خفت الأعراض قبيل دخول المسجد وعرفت أنها نوبة "هلع" .


تكررت النوبة عدة مرات بدرجات متفاوتة واشتدت أعراض التوتر والقلق، اضطرب نومي أكثر، وكلما أغمضت جفني تسلطت علي مشاعر خوف غريبة وأرى وجوه حيوانات مفترسة مكشرة عن أنيابها، أكمل أذكار النوم، والمشاعر الغريبة تتكرر، وكلما غفوت ارتج جسمي فأفقت، فأذكر الله وأحمده على البلاء وأدعوه ثم أغمض جفني فتعود الصور والمشاعر المرعبة ثم أغفو وأرتج، وهكذا عدة مرات حتى يستسلم جسمي للنوم  .الرجفة التي تصيبني أول ما أغمض جفني يسمونها ( hypnic jerk ) ، تحصل للبعض وتكثر مع الاكتئاب والقلق . زادت المعاناة أكثر حينما بدأت تباغتني وساوس عقدية لا إرادية عن الخالق سبحانه بمجرد ما أستيقظ من النوم!!

أقوم من الفراش وأنا مرهق ومحبط .. خائف على ديني وعقلي.. محزون على فقدان وظيفتي وراتبي الجيد وشهاداتي المرموقة .. عاجز عن العمل والقيام بأعباء أسرتي وتربية أولادي ..وساوس عقدية.. ضاقت بي الدنيا ... (عذراً ..ذرفت عيني وأنا أكتب هذا السطر ، فقد كانت أشد فترة مرت علي في حياتي).


طمأنني الاستشاري أن الوساوس من مضاعفات الاكتئاب والقلق الشديد ، ووصف لي دواء (لوسترال) وأخبرني أن أفضل وسيلة للتغلب على الوساوس تجاهلها وعدم مناقشتها وستزول بإذن الله.


تحسنت بحمد الله مع (لوسترال) تحسناً كبيراً ، وكان فرجاً بكل ما تعنيه الكلمة . استخدمت الدواء سنة ونصف والوضع العام مستقر لكن يتخلله فترات إحباط وقلق وتظهر الوساوس ونوبات الفزع بشكل خفيف إذا اشتد التوتر، وتلك الفترات لا تستجيب لزيادة جرعة الدواء، وإنما تذهب وتعود خصوصاً مع الضغوط المالية.


تكيفت مع الوضع الجديد ، ثم توقفت عن الدواء ولم ألاحظ زيادة في الأعراض ولله الحمد. بعد سنة ونصف من توقفي عن الدواء شعرت بنوبة قلق ووساوس واكتئاب متوسطة فاستعملته مدة شهر تقريباً وكان سريع المفعول في تخفيفها ولله الحمد . يتعود جسمي عليه ويضعف مفعوله فأتركه ثم أستخدمه إذا اشتدت الأعراض مرة أخرى ويكون جسمي استعاد انتفاعه به لفترة ثم أتركه.


خلال السنتين الماضيتين استقرت حالتي ولله الحمد وخفت الأعراض كثيرا، وأستمتع بجو الأسرة والفعاليات المنزلية كما أشارك في المناسبات الاجتماعية بشكل أفضل.


تزوج أبنائي وتحسن دخلهم المادي ، وصرت جداً، وتركت العمل الإضافي،  واستقر وضع الأسرة.


مطمئن ولله الحمد لأني :

✅ مؤمن بالله وقضائه ، وأن تأجيل الشفاء (مع بذلي للأسباب الشرعية والطبية) لحكمة في صالحي 

✅ فهمت مرضي وأتكيف قدر استطاعتي مع الأعراض

✅ أستمتع كثيرا مع أسرتي

✅ أتعامل مع مشاعر الاكتئاب إذا ظهرت بالانشغال بعمل هادئ مريح أو الحديث المؤنس مع الأسرة

✅ نوبات الهلع تكاد تكون انقطعت، وإذا شعرت بها قلت :"خلها تعدي ثواني وتنتهي"

✅ أمارس الرياضة ولو على فترات متقطعة

✅ خفت الوساوس كثيراً، وأتجاهلها إذا ظهرت، وأقنع نفسي أنها عرض من أعراض القلق والاكتئاب وليست مشكلة عقدية بحمد الله

✅ زوجتي والكبار من أولادي يعرفون مرضي ويدعمونني، ونتبادل الحب والاحترام والتشاور

✅ أتممت حفظ القرآن بحمد الله

✅ أدعو الله دائما لوالدي وأهلي والمؤمنين والمؤمنات

✅ إذا اشتدت الأعراض في بعض الأحيان أكثرت من هذا الدعاء :

يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، يا من بيده مفاتيح الفرج فرج عني ما أنا فيه واحفظ علي ديني وعقلي وأهلي ومالي . في السجود ومواطن الإجابة حتى تخف ولله الحمد.

✅ لا لليأس "فيه فرصة وفيه وقت"



أخطائي :

❌ ذنوب ماضية وحاضرة كلما اقترفتها أصابني الإحباط والخوف من سوء الخاتمة بسببها، لكني أتذكر رحمة الله الواسعة وأبادر للاستغفار حتى تهدأ نفسي

❌ تأخرت في إخبار زوجتي بمعاناتي، لأنها حين عرفت صارت وأولادي الكبار خير معين لي بفضل الله

❌ تفكيري المثالي ونقدي لنفسي بشدة عند الخطأ



 💚 حالياً وضعي العام ممتاز نفسياً واجتماعياً

أجلس في المسجد بعد الفجر إلى طلوع الشمس وأراجع حفظ القرآن .

أحرص على أذكار الصباح والمساء، والأذكار المنصوص على فضلها عموماً ، وأكرر التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والصلاة على النبي والاستغفار مئة مرة يومياً .

أتصدق كل فجر بعد الصلاة بعشرة ريالات لصندوق أسرتنا الكبيرة عبر الجوال.

أحرص على الفعاليات الترفيهية المنزلية مع أبنائي وبناتي.

أحب كشتات البر وأحرص عليها كل فترة.

أشتري حاجيات المنزل بنفسي

أتحاشى الضغوط النفسية والنقاشات الفكرية والسياسية ومتابعة الأخبار

أقرأ في المجالات التي أحبها

دشنت هذه المدونة وحساب تويتر @depressedsatis1  راجياً من الله أن يتقبلهما علماً ينتفع به أهل المعاناة ومن يرعاهم .



🌹الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات🌹

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تجربتي في حفظ القرآن الكريم

  الحمد لله رب العالمين سألني البعض كيف حفظت القرآن وكيف أراجعه ؟ بدأت في المرحلة الثانوية ضمن نشاط المدرسة فحفظت السور من الكهف إلى نهاية ا...